جدنا على الفيسبوك

جميعا لنضع بصمتنا و نغير أنفسنا للأفضل و نكون إيجابيين و نساهم في التغيير بحيث نترك التاريخ يحدث الأجيال القادمة عنا

Recent Post

About Me






Div By Tools4b


Recent Comments






Div By Tools4b


Blogger templates

الجمعة، 15 يونيو 2012

المَوتُ في الدَّار البيْضَاء البيان رقم 1


31 JANV. 2012

المَوتُ في الدَّار البيْضَاء



(قصة حب طويلة ـ البيان رقم 1)


بيني وبينها حبٌّ قديم جديد، حبٌّ منعش كالندى ساعة الفجر، حبٌّ لازال يتقادم ولازال يتجدد، حبٌّ هو أقرَب إلى تلك العلاقة السّاديمازوشية المتعددة الأبعاد.

بيننا - أو هكذا يُخيل إلينا معاً - ذلك الرباط اللامرئي من المحبة المتينة والعُدوانية العميقة؛ عدوانية مصطنعة لا حقيقة لها، ولكنها تؤلم وتؤذي بعمق. بيننا التلاقي والتّنافر، الوصال والانفصال، العشق المتبادل والملل المتبادل، بيننا الحرب بمعنى ما والمهادنة بمعنى آخر. بيننا اليأس والأمل، ورغم كل شيء لا شيء يتغير، نظل معاً، نختلف ولا نفترق، نتباعد ونتقارب. يحذث لنا كثيرا أننختلف، ولكن ناذراً ما نفترق، يبتعد كلانا عن الآخر، ولكن سرعان ما نلتقي دون تأخُّر حينما الواحدُ منا يشتهي ذلك.

أعلَمُ أيضا أنها تُكنُّ لي حقدا فريدا من نوعه أجهل تقريبا سببه، وكرَدٍّ عفويّ مقابلَ ذلك أوافيها طواعية بضغينة مشروعة وحنق لا يخرجان على قانون علاقتنا. قصة حبنا أخذٌ وردّ. هي وحدها - في الماضي و الحاضر والمستقبل معاً - تبرِّر كل ما ذكرت، تبرر هذا الحب الذي يظل حبا مهما كان الأمر، يظل حبا نمارس فيه لعبتنا كما يشاء المزاج.

هذه العلاقة الطافحة بالمتضادات والمتناقضات تظل تمضي في سبيل زمني يأخذ - حينما يحلو لعشيقتي البيضاء ذلك أو حين أشاءُ أنا - بُعداً تكبر تضاريسه وتتضخم لتصبح أكثر تعبيرا عن نفسها لمَّا نلتقي على الخصوص.

ولكي نلتقي تطبِّل عاصمةُ اقتصادِ هذا المغرب القاسي في رأسي وتزمر. تقلب السماء والأرض وتقعدهما حين أكون بعيدا عنها وتدعوني بنَزق طفوليٍّ أحيانا وأحيانا باستجداء ممزوج حنانا وحبا وترحابا أن أعود توّاً، دون أن تكف خلال كل ذلك عن التألم لحرقة الفراق ولوعة الشوق وسكَرات البُعد.

وبَعد البُعدِ يكون القرب، نلتقي وقد أتيتها كما لو على أربَعٍ لاهثا لأغوص فيها، لأعانقها، لأكُونَها وتُصْبِحَني... ثم إنها لا تفتأ أن تؤلمني متلذذة كزوجة طاعنة في السن يحلو لها ممارسة الثأر وكأنني خنتها دون علمي. يحل اللقاء وتستقبلني في البداية الدار البيضاء بذراعين مشرعتين، تأخذني في حضنها، تدعوني إلى عُلبها الليلية وحاناتها النهارية مانِحةً إياي ألف كأس ودَنّ، ثم تلقفني بين الفينة والأخرى ثديها الأيسروترضعني حليبها الذي له طعم جعتي المفضلة الـ"مايْدْ إنْ موروكُو". أمتص رحيقها حتى الثمالة قبل أن أسافر في جسدها الذي له نكهة المغرب العميق. أدخلها وتدخلني خلال ليالٍ بيضاء طويلة كالأبد، أسكنها عميقاً حتى... حتى أُصبِحها، حتى نصبح واحدا. ولكن ما أن تنتهي طقوس الاحتفال حتى توجعني مدينتي بحبها وشكوكها وتوهماتها ونزقها وما إلى ذلك.

شيءٌ حين نلتقي، وأمر آخر حين تكون المسافات فاصلةً بيننا وظروفُ العيش عائقا يفرقنا. هذه الظروف بالخصوص يبدو لي أن الدار البيضاء لم تستسغها بما فيه الكفاية، فظلت تخالني انسحبتُ منها في بداية الثمانينات عن طواعية وانسللتُ إلى بعيد خفية عنها دون إذنٍ منها ميمِّما شطر مدينة المنفى والاغتراب. لعل لها إحساس المنبوذة التي - بعد أن أحببنا بعضنا ولا نزال - غادرتُها فمضت تتقلب بين الحب والكراهية. من يدري؟ ربما كانت على حق، هي وحدها تعلم.

ليست هذه المدينة بمسقط رأسي، لا بل عرفتها عن طريق الصدفة. رأيت رأسي يسقط في مدن مختلفة بجوارها وبعيدا عنها، رأيته يتساقط جنوبا وشمالا، شرقا وغرباً، إلى أن استقر بي القرار منذ أمد وبعد الموت حبا في الدار البيضاء بالمدينة الشقراء "ليون" التي أوتني وذثرتني ببردها وغطَّتْني بصقيعها طوراً وطوراً بقيْظها الصيفي الذي لم يكثم أنفاسي بعد.

لست وحدي حبيبها. أعرف ذلك ولا أنكر منه شيئا. للدار البيضاء أحبة هم أيضا أحبتي.

حينما يضيق بي المكان أيمِّم شطرها طلباً للدفء والشمس الناذرة. أعود إليها منجرفا وكأنما أمواجٌ عاتية تدفعني نحوها. أعود إلى الوكر الأول لأجدني في أحضان الدار البيضاء وما أدراك ما أحضان الدار البيضاء. 

آتيها طوعا ومرغما في نفس الآن. بعد اغتراب له عمر الأبد وطعم الكَمد أحس بمغناطيسها يجذبني بعد أن كان بيننا البيْن وبعد أنْ، رغم البعد، ظللنا نتواصل ذلك التواصل الذي لا يحسه إلا من عشق وبات ردحا من الزمن في منأىً عمن يحب. آتيها وقد كانت بيننا لقاءات شتى لامرئية ولا ملموسة.

عن بعد يحدث أن يكون "اللقاء" هكذا:

ـ آلو!... أمي!... كيف الحال يا الحاجّة؟

ـ هاي هاي هاي! مالك غبرت؟

ـ لا شيء يا أمي، كل شيء هنا بخير، وأنتم؟ كيف هي الأحوال؟

ـ وا... وليدي أنت عارف... أصحابك هاجروا... الحيّ عمر... الداربيضة ولات كحلة... قل لي...

ـ نعم يا الحاجة.

ـ كيف حالك مع البرد؟

ـ أنا أحن إلى حرارة البلاد يا أمي. بي شوق إلى صهد الدار البيضاء و...

تضحك أمي بحنان وتسرد لي تفاصيل المدينة وموجز الأحداث. في نبرة صوتها الضاحط أسمع تجاعيدها التي تتراكم يوما بعد يوم، تجاعيد أكتشف تزايدها كل سنة حينما أعود. لست أدري لماذا أجرع تجاعيد أمي و هي تحتضنني وتقبلني لما نلتقي بعد عامٍ في رحلة صيف أو شتاء... ولست أدري لماذا خلال تلك اللحظة وما بعدها تجتاحني تلك الأسئلة الحارقة من مثل: الزمن؟ الوقت؟ العُمر؟... وتطن في رأسي تعابير طالما سمعتها وأسمعها هناك في مدينتي التي لها أبعاد الوطن: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"... "الوقت من ذهب"... هذا ما تعلمناه في المدرسة. أما ما يقوله الواقع فهو: "لا زربة على صلاح"... "ما عنديش الوقت"... "اللي زربو ماتو"... "سير حتى الغد"... "وا خويا مع الوقت"... الوقت... وقت... وق... وق... واق... واق... واق... وااااااااا.....

أي وقت؟ وقتي أم وقتُهم؟ وقتي أم وقت الدار البيضاء؟

ـ اقطع ذاك الزبل يا وليدي الله يهديك!

ـ آش من زبل يا الحاجة؟

ـ الشراب يا وليدي....

ـ والله أنا لا أشرب يا أمي إلا حينما أعود إلى الدار البيضاء و...أنتِ تعرفين الوقت و... الزمان...و...

و... و... و... و...

و... وخلال مثل هذه اللقاءات ـ عن طريق أمي أو بواسطة ما تبقى من الأصدقاء حين أصادفهم هاتفيا ـ أشفي غليلي من حرقة البعد عن مدينتي وأبثها حنيني وما يعتريني صوبها من شوق لا يهدأ لهيبه إلا حينما تضمني بالقوة والفعل في الأحضان وترضعني مجددا من حليبها الذي يبعث النفَس الجديد والتجدد.

إنها، وأنا هنا، لا تأتيني، لا تزورني فقط، بل تنتابني، ثم تتملّكُني رويداً رويداً، وتكبُر فيَّ بالتدريج وتجتاحني كمحيطها الأطلسي المعربد الصاخب.

الموت حبّاً في الدار البيضاء حياةٌ جديدة، حياةٌ أخرى.

حبها حتى الموت حياة.

شاي الله يا البويضة! وااااااااااا البويضة فين مواليك آه؟ وااا كْوَيزة يا كْوَيزة هااااه! طَنْ طَرنْ زْطَقْ أطَقْ... طَنْ طَرنْ زْطَقْ أطَقْ...

تحين ساعة العودة إليها إذاً وتبدأ هجرة من نوع آخر، هجرة نحو الأعماق، هجرة نحو الذات، نحو ذاتي البيضاء، نحو داري البيضاء.

وأنا في طريقي إليها برّاً أو بحراً ثارة وثارة أخرى جوّاً أو عبر الخيال تبدو لي من بعيد كامرأة لها ألف وجه، امرأة يحلو لها أن تلعب دورالحاضنة التي تفيض حنانا، تدُسُّك في حِجرها بمحبة ناذرة و ترضعك حليب ثديها المتهدل الذي يتحول إلى شتى الأشكال تبعا للظروف والأحوال. وقد تتحول إلى غانية في مرقص ليلي تُلوِّح إليك بنهديها الشبيهين هذه المرة بوجه أرنب مشاكس يحلو له الاستفزاز، وهما يرقصان ويهتزان ويسحان إغراءاً وشبقا.

ما أن تمضي سويعات على لقاء الأحبة في البيت ومعانقتهم حتى تتملكني الرغبة في الخروج كي أجوب الفضاء الفسيح. أسلُك أزقة الحي الشعبي الذي تكدس سكانه عبر السنين حتى أصبح يبعث على الاختناق والغثيان. محملا بالذكريات أسير وأنا أبحث عن وجوه أليفة عرفتها، ولكنني لا أرى سوى وجوه شاخت وأصبحتْ مُمتَصّة صدئة بأسنان لفظت أنفاسها الأخيرة أو تكاد. أرى أطفالا تركتُ بعضهم رُضَّعا كبُروا وأصبحت لهم بنيات لاعبي الكرة المستطيلة بأقدام تشبه في حجمها قبرَ طفل مات في سن الرضاعة. آخرون تفرّخوا في غيابي وازداد بعضهم وهو يحكم قبضته على حبّة منع الحمل التي كانت ستجعل من وجوده عدَماً. أناس ذوو سحنات بدوية استوطنوا محيط المدينة، هربوا من قحط البادية وصهد الجفاف بكل معانيه. لا أثر للأصدقاء القدامى إلا قليلا. كثيرون هاجروا، تبددوا. غيروا المكان فارين بجلدهم نحو الخارج. ها ميركان، ها فرنسا، ها الطاليان، ها أرض الله الواسعة... أحس بالوحدة، بالقنوط وبالاغتراب وأنا في حضن وطني الدار البيضاء، وما أشده وأقساه من اغتراب. كالغريب أكمل السير في أحشاء الحيِّ، أعانق بعينيَّ الناس والأمكنة.

و في كل الأمكنة التي تشبهني أرى الدار البيضاء تُرضع أطفالها جوعاً وجَعاً فقراً وبطالة... لذلك منهم من هاجر، ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من أصابه مسٌّ من الجنون، ومنهم من تحول إلى متسكع أو لوطيّ يتصيد السائحين شيباً وشبابا، ومنهم من لازال ينتظر...

يتملكني الألم ويوجعني ذوو القربى... و...

وتجتاحني الرغبة فجأة في العودة إلى "ليون"، أحن إليها. تكتسحني رغبة عارمة في العودة إليها هربا من سادية بعضٍ من هؤلاء القوم، سادية أحس بها تستهلكني بلذة مَرَضية. لا أستطيع المقاومة كثيرا. أهرب، أنجو بجلدي.

ما أن تطأ قدماي أرضية مطار المدينة الشقراء حتى ألتفت نحو الجنوب، فأرى الدار البيضاء تلَوِّح لي بيمناها وعيناها مبللتان بالدموع:

ـ أحبك ياااااا المصيطِفى!

ـ أنا أيضا أحبك يااااا البْوَيضة. سامحيني.... سأعود... سامحيني... سأ... سَ... سُ... سِ... سٌ...

أغمض عينيَّ بقوة حتى لا يهطل منهما شيءٌ يشبه الدمع.


(يتبع)

*
Read more ...

الموت في الدار البيضاء البيان رقم 2


2 AVR. 2012

الموت في الدار البيضاء

(قصة حب طويلة ـ البيان رقم 2)

نبذتُها مُكرَهاً.

عن غير قصد غادرْتُها، ووجدت نفسي أبتعد عنها قاطعا متاهات التيه والغثيان طلبا للنجاة بذاتي التي أصابها ضيرُ الوطن وثلة من بعض الإخوة في المواطنة.

الآن، بعد مرور كل هذه السنين، أتساءل: هل أنا الذي تركْتُها أم هي التي تركتْني؟

الآن... وأنا أعود إليها بعد طول غياب، تطأ قدماي أرضها، يضمني جيدُها السخي بحنو، فينفث صدري آهة وزفرة لهما ألم المخاض وصرخة الجنين: "آآآآآآآآآآح يا أنا! آآآآآآآآآخ يا أنا! آآآآآآآآه يا الأيام!"... بعد ذلك أستنشق أريجها الملوث، أشعر بقليل من الارتياح، وأخطو في تفاصيلها الصغيرة والكبيرة علني أشفي ظمئي. أمتطيها عبر كل الجهات لكي أحس بالدفء الذي طالما افتقدته.

الآن... هي ذي تفتح لي دراعيها وتضمني، تقبلني كالأم ثارة وكالحبيبة المولَعة بي ثارات أخرى.

الآن... وأنا أقطع راجلا أوصالها الملوثة يذكرني كل موقع أمر به، كل شارع أو زقاق أعْبُره بتاريخ مضى أو بصورة مرت وتمتد في القدم. هي صور لا تأتي بالضرورة مُرَتبة حسب وقوعها في الزمن، لا بل تأتي بفوضوية، في مزيج من ذكريات عتيقة تمتد حتى تلامس تخوم الطفولة الأولى وذكريات أكثر حداثة من ذلك أو أقل أو ما بينهما أو... أو... أو... وهلم جرا.

هنا، وسط هذه البنايات الشامخة، في خضم هذا الضجيج المسعور، تأتيني صورة الطفل الذي كنتُه ذات يوم، نفس ذلك اليوم الذي سأُصاب فيه بصعقة الحب الذي اصطلاني تجاه الحبيبة البيضاء، حبيبتي التي سلبت لبي طفلا ثم تملكتني فيما بعد ذلك عبر مراحل العمر الذي يمر مرور الريح الهاربة.

ليس من العسير بتاتا على ذاكرتي أن تعرض أمام عيني الداخليتين ذلك الشريط الملون بالأبيض والأسود والذي يعيدني إلى ماض يمتد حتى أعماق الطفولة الأولى. أضغط على زر ذاكرتي فأرى الطفل الذي كنتُه على بعد كيلومترات معدودة من الدار البيضاء، على الطريق الوطنية التي تربطها بمدينة الجديدة، في الضيعة العائلية التي تعود إليها أولى صور الطفولة. كانت ضيعة "عين سيّرْني" على مقربة من بلدة "أحد السوالم" عالمي الخاص والوحيد. لم أكن أعرف غير هذا الفضاء الفردوسي، ولم أكن أعتقد بوجود أمكنة أخرى غيره ما عدا مزارع بعض إخوتنا في الله أو ضيعات بعض جيراننا من المُعمِّرين الفرنسيين. لم نكن نعرف غير هذا العالم الساحر، نمرح فيه ونسرح، نطارد العصافير والفراشات... العصافير؟ ها طيور الحمام التي كانت تشاطرنا الحياة!... ها طيور "الجَوْش"! أكثر العصافير بداوة وتوحشا. ها "بلهدهود"! الطير الأنيق المغرور بنفسه والذي لم يتح لي يوما أن أداعبه بين يدي وأسائله عن سر جماله وخباياه الداخلية. ها "السَّمّان" الذي حينما يطير ينطلق مثل القذيفة، يمزق هكذا الصمتَ فنرتعد نحن الصغار ونرتعب لحظتها بفعل المفاجأة... ها "بو المقيصات" العصفور المغفل... ها "مْسِيسي" الرشيقة، الممشوقة القوام، المعجبة بنفسها وهي تختال في مشيتها كعارضة أزياء... ها "صْطيْلة" المزركشة دوما وكأنها في حفل زفاف لا ينتهي... وها الفراشات القزحية التي قيل لنا إن غبار أجنحتها لو دردرناه على عاناتنا الملطاء فسيصبح لونها أسود مثل الرجال الكبار، حتى لو كانت خالية من الزغب أصلا... كنا نريد أن نكبر بسرعة!... هذا صحيح. ولكي نكبر بسرعة كنا نقتات من نباتات الطبيعة ونتبع بالحرف ما بلَّغَنا إياه سابقونا: "الحمَّيْضى" تليق لوجع البطن، نبثة "الحُلِّيبة" يليق سائلها الأبيض الذي يشبه الحليب لتغليض وتكبير الذكر حين تُسكَب فيه بضع قطرات، "كرينبوش" ينقي الدم... "بيض الغول" لا يجب حتى تذوقه لأنه سم قاتل... و... وهلم جرا.

وها إنني أعود ذات مساءٍ، ككل مساء، هربا من الليل الذي أخذ يشرف على بسط ستاره المليء بالأشباح إلى حيث البيت الفسيح. كنت أكره الليل لأنه مليء بالجن وبـ "عائشة قنديشة" التي لها قَدَما ناقة والمولعة بخطف الأطفال، و"بُوعُّو" الذي يبث الرعب، و"حمار الليل" الذي يضرب بقساوة تجعل المرء كمجنون تائه، وزد على ذلك كائنات لامرئية أخرى من التي تترصد الأطفال حسب ادعاء من كانوا أوصياء علينا أو أكبر سنّاً منّا. لذلك، حينما كانت الشمس تغادر نحو الغرب، وفي انتظار عودتها غداً كان حزن العشيّ يدخلني كما العادة بالتدريج.

كالكتاكيت عدنا ذاك المساء، مضى كل منا إلى حال سبيله قبل أن يأتي الليل اللئيم. جلست كالعادة على عتبة البيت داخل السورالواسع أراقب غروب الشمس وأنصت إلى هدوء الغبش الذي مزقه فجأة صوت عمِّي "الصْغير" أبو الشوارب الطويلة المعقوفة كمنجل (كانت تبهرني، وكان لطيفا جدا لأنه كان يسمح لي بمداعبتها وهو يموت ضحكا). رأيته وقد دفع باب السور الخلفي مهرولا، مناديا، صارخا بأعلى صوته وهو يلوح بيديه: "واااااااالسي محمد! وااااااااجلّول! وااااانتوما راه.... السلطان مات!... السلطان مات! الله يرحم السلطان... واااا ناري ناري أميمتي السلطان مات!".

في تلك اللحظة أصبت بهلع لا سابق له لأنني لم أر من قبل عمي "بو الشوارب" على تلك الحالة التي بدا لي فيها كمجنون. هرع إليه الآخرون من أعمام وأقرباء وعمال المزرعة. ساءلهم إن كانوا سمعوا الخبر كما سمعه هو... أين سمع الخبر؟... الراديو. تجمهروا حول صندوق عجيب وأخذ أبي يدير أزراره بتأن وصبر. كان الجهاز يصدر ثارة أصواتا متحشرجة، وثارة موسيقى، وثارات أخرى كانت أنفاسه تنقطع ولا تعود إليه الروح إلا بعد أن يعالجه والدي من هذا الجانب أو ذاك بضربات خفيفة بقبضة يده.

كانوا كلهم يحيطون بأبي! أبي كان هو المركز! لم يكن يحس بأنني أمسك بساقه وأنا أنظر إليه من أسفل وكأنه جبل شامخ. كنت أعتقد بأن أبي هو أقوى رجل في العالم. لكنني في لحظة ما رأيت عينيه تدمعان كالآخرين بعد أن طبطبوا كثيرا على الصندوق العجيب وأداروا أزراره عدة مرات وسمعوا أخبارا ربما لم تسرهم. نعم! السلطان مات!... مات! سمعت نواح نساء وكلمات رددها الرجال مثل "المدينة"... "الملك"... "الموت"... "السلطان"... "محمد الخامس"...

ما "المدينة"؟ ما "الموت"؟ ما "السلطان"؟ من هو "محمد الخامس" هذا؟...

هنا يحدث للصورة في ذاكرتي ما يشبه "القَطْع". تنطفئ تماما ويعم ظلام دامس. الصورة التي تليها مباشرة وبعفوية قصوى، تلك اللصيقة بها في ذاكرتي كالتَّتِمة، هي هذه التي تعكسني في يوم الغد أو في اليوم الذي بعده أو بعد اليوم الذي بعدهما أو... لا أدري.

أتذكر أنني في ذلك الصباح الباكر وجدت نفسي أعتلي ركبة "أبَّا الجيلالي" داخل سيارة "الرونو" المتوسطة الحجم والتي كانت مقصورتها الخلفية مملوءة عن آخرها ببعض أفراد العائلة. لم يستشرني أحد حول رغبتي في مرافقتهم ولم أسأل أحدا عن الوجهة التي كانوا يقصدونها. كانت العادة أن أرافقهم كل يوم أحدٍ للتسوق في "أحد السوالم". لكن، هذه المرة، كان أبي يوجه "الرونو" في الاتجاه المعاكس. كان يقودها بسرعة فائقة جعلتني أحس تجاهه بفخر وإعجاب نادرين. كنت أرى أشجار الأوكاليبتوس السامقة والمحيطة بجانبي "طريق الجديدة" تفر بسرعة جنونية نحو الخلف. كان ذلك يثير في داخلي مزيجا من الاندهاش والمتعة. وكانت الأرض الواسعة بأشجارها وحقولها وبيوتها المنتشرة هنا وهناك كواحات صغيرة تبدو لي كبساط يمتد حتى يلامس أطراف الأفق الذي لا نهاية له. كانت الحقول الشاسعة هي الأخرى تتراجع نحو الخلف، وكان الأفق يبدو لي بعيدا بعيدا جدا على الجانبين وكأن لا مجال للوصول إليه. ثم ها إنّ هذا العالم الفسيح يأخذ في التقلُّص ثم الاختفاء رويدا رويدا بقدرما كان أبي يأخذ في التخفيف من سرعة "الرّونو" وهي تتسلل داخل فضاء مغاير تماما. أحسست بأنني أنتقل إلى عالم آخر بالتريج، عالم مليء بالطرق الملتوية وبالبنايات التي يزداد علوها ارتفاعا طالما السيارة توغل في سيرها نحو الأمام. دارت السيارة إلى اليمين مرات، ثم عرجت على اليسار مرات، لفّت ودارت، وكنت في عز دهشتي وانبهاري أعد طوابق البنايات الشاهقة المتفاوتة العلو والمتراصة بانتظام جنبا إلى جنب. كان الآخرون يتجادبون أطراف الحديث الذي لم أتبين منه شيئا كثيرا. كان ضجيج خارجي يتكون من أبواق السيارات وأصوات بشرية أخرى صاخبة يتسلل حتى داخل السيارة ويعم أرجاءها. هل مررتُ من هنا فيما قبل؟ يجوز. ولكنني لا أتذكر. يبدو أنها المرة الأولى التي أكتشف فيها هذا "الكون" الفريد من نوعه. بدأت أخمن أن هذه هي "المدينة" التي سمعتهم يتكلمون عنها من قبل، هذه هي "الدار البيضاء" لأن اللون الأبيض هو الطاغي على البنايات الملتفة فيها. ثم إن هذا الهواء الذي أستنشقه غريب عني. حتى الهواء هنا له طعم آخر، طعم مغاير لهواء ضيعتنا. لم أكن في حاجة إلى سؤال أحد من الكبار الذين كانوا غارقين في عالمهم الخاص لكي يجيب عن تساؤلاتي التي لا نهاية لها... وها سرعان ما أركن والدي سيارته في ركن ما من شارع ما... ترجلنا. وهنا تضاعفت دهشتي وازداد انبهاري. تناسلت تساؤلاتي لِما رأيتُ. وجدتُ نفسي وسط غابة كثيفة، أشجارها بنو آدم. كانوا يشدون على أيدي بعضهم البعض وفي الأيدي الأخرى مناديل بيضاء يلوحون بها أو يمسحون بها دموعهم. أتذكر أن لباسهم كان نظيفا يطغى عليه اللون الأبيض واللون الأسود. كانوا أنيقين. وحينما كنت أرفع رأسي إلى أعلى كانت تتراءى لي نساء يزغردن وينُحْن في نفس الوقت وهن يخدشن خدودهن بأظافرهن. أُصبتُ بهلع شديد وأخذتُ في البكاء والصراخ وأنا أنتفض بين قبضة يد أبي الذي كان يمسك بدراعي منذ أن غادرنا السيارة. حملني بين دراعيه دون أن يسألني عمّا بي وواصل السير في خضم الزحام. لما شعر بالثعب ألقاني فوق كتفيه فشعرتُ بكثير من الراحة وانتابتني متعة وأنا أرى الأشياء من أعلى. كنت فوق كتفيه كسلطان لم يمت بعد. كان أريج دهان "رُوجَا" الذي اعتاد أن يطلي به شعر رأسه الأسود الناعم يملأ خياشيمي ويبعث في داخلي إحساسا غريبا. أخذت أراقب ما يحيط بي: حشود من البشر مصطفة بانتظام تولول وتصرخ ملء حناجرها: "الله يرحم السلطان!... عاش الملك!... عاااااااااش الوطن!... لا إله إلا الله، محمد رسول الله... لا إله إلا...".

رأيتُهم يتقدمون نحو مكان ما وكأنهم اتفقوا على اللقاء فيه من قبل. الكل كان يتجه نحو مركز المدينة أو نحو مكان آخر محدد فيها، بنظام وانتظام! عجب! كان الشارع أو الشوارع كأنها منحدرة يتدحرج عبرها كل هذا القوم بتلقائية ودون جهد! إلى أين كانوا يتجهون؟ الله أعلم. لا إله إلا الله... محمد رسول الله...

"الله يرحم السلطان!... عاش الملك!... عاااااااااش الوطن!...".

ويعم ظلامٌ دامسٌ في ذاكرتي.

قَطْع.

لم أعد أتذكر شيئا بعد ذلك.

ما أتذكره الآن هو أنني بعد العودة إلى عالمي الأصلي، إلى حياتي الطبيعية، لم أنَم تلك الليلة إلا قليلا. كنت حزينا، وكنت أتساءل:

"أهذه هي "المدينة"؟"

"أهذه هي الدار البيضاء؟"

"هل عبَرتُ هذه المدينة ذات يوم ثم نسيْتُ؟"...

"أكانت موجودة وأنا لا عِلم لي؟".

كنت تلك الليلة أعود إليها خلسة، كنت أسافر في تفاصيلها المجهولة وأنا في فراشي طعمة للنوم الذي أخذ يكستحني بالتدريج. كنت أناجيها وكانت لا تجيبني. لعنتُ سن المدرسة الذي لم يحن بعد لكي أتعلم الكتابة فأبعث لها كل يوم برسالة حب.

باتت في حضني ولم تعانقني.

في تلك الليلة لم يضربني حمار الليل. ضربتني الدار البيضاء.

لم أكن أعرف أن تلك هي "صعقة الحب".

آآآآآآآآح ياني عليك يا "كويزة"!

صدقيني، إني أكرهك حتى أقصى درجات الحب، وأحبك حتى أقصى درجات الكراهية، فاطلبي مني السماح والأمان لأنني مشرف على الموت فيك.

الآن أو غداً.

لا يهم.

(يتبع)
Read more ...

الموتُ في الدار البيضاء البيان رقم 3


21 MAI 2012


الموتُ في الدار البيضاء






(قصة حب طويلة)



البيان رقم 3


نبذتُها مُكرَهاً.

عن غير قصد غادرْتُها. 

الآن، ذات عودة وبعد طول غياب، أجد نفسي أَعبُر هذا الشارع الممتد كحَيَّة تسعى على جانب المحيط، شارع يبدأ مساره من حيّ "عين السبع" وما قبْلَه ثم يتعرج هنا وهناك ويأخذ وجهته الطويلة نحو منطقة "عين الذئاب" وما بعدها.

الآن، أجد نفسي في هذا المكان المنفتح في جزء منه على البحر ليشبه بذلك خليجا في حجم مصغر، تتفتق ذاكرتي عن صورة تلي الصور الأولى التي تشهد أول عهد لي بمدينتي التي سحرتني طفلا وتملكتني عبر كل مراحل العمر التي مرت ولا زالت تمر بلا إذن مني!

الآن، أنا هنا وأتذكر.

الآن، تأتيني تلك الصورة حيث كنت طفلا لوحدي فوق ذلك المكان المرتفع، أنظر إلى بعيد فيتراءى لي البحر الذي لا يُحد. أنظر إلى الشاطئ القريب فتتراءى لي أطراف المدينة التي تغرق في مياه الموج شمالا وجنوبا. تتراءى لي الأمواج وهي تصخب وتتحدى غريما لا مرئيا. الدار البيضاء هي هذه؟ البحر هو هذا؟ وأنا؟ أنا داخل سيارة "الرّونو" لا حق لي في الخروج منها كما أُمرتُ.

المدينةُ هي أيضاً بحر!

كل هذا العالم المكوَّن من بنايات الإسمنت في جانب وماء البحر في جانب آخر كنتُ أطل عليه عبر زجاج نافذة السيارة التي لم يكن من حقي أن أغادرها. كنت كعصفور مستسلم يائس لا حول له ولا قوة أمام التعليمات الصارمة. كانت رغبتي عارمة في الانعتاق والتحرر من قيد هذا القفص لأحلق بعيدا في فضاءات "المدينة"، أسبر غورها، أكتشف تفاصيلها، أفك ألغازها، لعلها تمنحني سرها وتضمني إليها إلى الأبد. لكن الأوامر كانت واضحة ولا لبس فيها. قبل أن يغادر أبي السيارة بمعية أمي قال لي وعيناه الجاحظتان بطبعهما تنغرزان في عينيّ:

ـ سنذهب إلى زيارة خالك هناك (وأشار إلى مبنى قريب داخل السور الذي نفذنا إليه عبر السيارة قبل قليل). لا يمكن أن ترافقنا لأن هناك بعض المناظر لا تليق بالأطفال ولا يجب أن ترها. لا تغادر السيارة. لن نتأخر كثيرا. اسمع! لو عدتُ ووجدتك خارج السيارة سـ... وسـ... وسـ... أنت تعرف ما ينتظرك في هذه الحالة! واخَّا؟

حرك سبابته أمامي علامة التحذير والتهديد وأَخرَج عينيه مزيدا فارتعدت فرائصي كما في كل مرة يفعل فيها ذلك. فهمت ما ينتظرني لو خالفتُ مشيئته، فحركت رأسي عدة مرات مجيبا إياه بأن رسالته قد وصلت.

غادرا السيارة وبتُّ لوحدي أداعب عجلة القيادة طورا، وطورا أضغط على المنبه لأعود من جديد إلى النافذة وأطل على البحر وعلى الدار البيضاء ملوحا لها بيمناي وكأنني أطلب منها النجدة أو أدعوها لأن تأتي هيَّ إليَّ ما دمتُ أنا لا أستطيع الذهاب إليها. كان حلمي هو أن أُحكِم عليها قبضتي الصغيرة، أن أجعلها حبيسة كفي كالفراشة أو كـ"مْسيسِي"، أدسها في مكان ما، في جيبي مثلا أو في ركن من أركان السيارة وأصادرها إلى حيث لا تعلم، أسبيها رغم أنفها وأجعلها هكذا ترافقني إلى ضيعة "عين سَيّرْني" على بعد سبعة وعشرين كيلومتر من هنا عبر "طريق الجديدة". هناك أنتقي لها موطنا فتصبح بذلك في حوزتي لوحدي جملة وتفصيلا، تصبح لي بكاملها ولن أكون مضطرا بعد هذا للحلم بها كالمسحور، لأنها الآن معي وبقربي. سأتسلل نحوها ليلا حينما ينام الجميع، سنلتقي خلسة وسيظل ذلك سرا بيننا وســ... آه يا البَّويْضة! آشْ ظهر لك؟ ماذا بدا لكِ؟... موافقة!... وااااااااه!

أُصابُ بسعار الرغبة وصَهَد الحلم الطفولي. تصبح النزوة جامحة وثقيلة الوطء. أنسى أوامر أبي وأنسى عينيه الرصاصتين. أعالج مقبض الباب من الداخل فيُفتَح بسهولة لامنتظرة. أُصبِح حرا طليقا في الخارج وانبهاري لا مثيل له. رائحة البحر تملأني. صخب الموج يمتزج بصخب المدينة. تثير انتباهي طيور تحلق في الفضاء القريب وتصدر أصواتا لم أسمعها من قبل في الضيعة. لن يأتي يوم تسقط فيه هذه الفراخ في فخي أو في شبكتي التي أنصبها للعصافير في الضيعة رفقة أخي الصغير "عبد الرحيم" والراعي وباقي الرفاق من أبناء عمال المزرعة. لماذا؟ لأنَّ لديَّ حدس مسبق بأن هذه المخلوقات التي تطير لا يحلو لها العيش إلا في محيط البحر، وإلا فلماذا لا تغادره وتذهب للتحليق في سماء المدينة كما كنتُ سأفعل لو كنتُ طائراً مثلها؟ في الضيعة، وبالضبط في بركة غير بعيدة عنها، يوجد ما يُسمَّى "دجاج الماء" الذي يحلو لوالدي قنصه في بعض المرات ببندقيته "الزويجة"، وهنا يوجد "دجاج البحر" الذي لا يستقر في مكان واحد.

كانت تتراءى لي في عرض المحيط بواخر في حجم صغير راسية تنتظر ما لا أعرف، وكانت أخرى تدب وهي تمخر عباب الموج متجهة إلى بعيد حيث يأخذ حجمها في الصغر رويدا رويدا قبل أن تختفي في الأفق. كانت تبدو لي كلعب صغيرة اشتهيت تملُّكها... لم يمر هذا المشهد الغريب دون أن يبعث في نفسي العجب والتعجب وأكواما من التساؤلات.

أستمر في اكتشاف هذا العالم من حولي، أنط هنا وأقفز إلى هناك... أصعد درجا لأعتلي ما يشبه منصة من الإسمنت مستطيلة تحيط بجوانب البناية التي دخلها أبي وأمي قبل قليل. تثير انتباهي منارة متسامقة تكاد تخترق السماء، في قمتها ضوء يشتعل وينطفئ بين الفينة والأخرى، وفجأة تتسمر نظراتي على شيء ما ملقى على الأرض، أنحني وأنقض عليه، إنه عبارة عن زجاجة صغيرة في حجم الأصبع يملأها حتى النصف سائل أبيض اللون كالحليب. تذكرتُ للتو نبات "الحُلّيبة" الذي كنا نستعمل نسغه لتكبير أعضائنا الصغيرة بعد أن نسكب قطرات منه في مدخلها. كانت هكذا تنتفخ في الغد الموالي وتنتفخ. كنا نحس بالزهو، وفي كثير من الأحيان بألم فظيع يحاول كل واحد منا أن يكثمه. قلت في نفسي: "لن أشرب هذا السائل (كما راودتني الفكرة في البداية). سأحمله إلى الضيعة وسأتقاسمه مع الرفاق غدا... إنه سيعوضنا عن "الحلِّيبة" التي انتهى موسمها". لست أدري لماذا انتابني إحساس بأن هذا السائل سيكون له مفعول سحري وناجع أكثر من غيره (ربما لأنه "باروك" من الدار البيضاء) ولذلك تمسكتُ به كما لو كان كنزا ثمينا لا يجب أن أضيعه. دسستُ الزجاجة بكل حيطة وحذر في جيب سروالي القصير وعيناي تشعان بما يشبه بريق النصر والظفر، وكانت أصابعي في نفس الوقت تضغط مزيداً على السدادة المطاطية ذات اللون البُنّي حتى لا ينسكب السائل في جيبي ويذهب كل شيء سدى. وأنا في خضم التفكير والتخطيط والـ... انبعث صراخٌ غريبٌ من البناية المجاورة وجعلني أتجمد كما لو أُصبتُ بصعقة. "وااااااااااه! آآآآآآآآه! والله ما ننساك آآآآآلكافرة بالله... بالتي عليك... ها أنا جاي لك أنت يا ولد الحرام... وااااااااه!....". توالت صرخات أخرى من جهات أخرى. أُصبتُ بالذعر. هل كان ذلك بسببي؟ هل أنا المعني بالأمر؟ ولمن هي هاته الأصوات؟... تمنيت لو أن الأرض انشقت وخرج منها أبي. ولكنها لم تنشق ولم يخرج منها أبي. تسللت ببطء وحذر شديدين والهلع يفتك بي. ما أن بلغتُ السيارة حتى دلفت إليها طلبا للأمان وتساؤلاتي تتناسل. تكومت في المقعد الأمامي وأخذت أنصت وأنتظر... طال انتظاري فبدأت أفكر في طريقة لمغادرة هذا المكان بعيداً حيث لا أسمع هذا الصراخ الهستيري. وما كدتُ أتخذ قرارا نهائيا حتى تراءى لي أبي وأمي آتيين. تنفست الصعداء واتخذت وضعية الملاك البريء الذي لم يغادر السيارة قط خلال غيابهما.

كان صمتٌ رهيب يجتاحني. كنت أمام أمي في المقعد الأمامي لَمّا كان أبي يشد بعنان بَغلَته "الرُّونو" ويجعلها تشخر مرارا وتنهق وهو يضاعف السرعة كما يحلو له عادة. كانت السياقة هوايته المفضلة وكانت "الرونو" دابّته التي يوجهها كيفما يشاء وحيثما يشاء. ساقَها عبر الطريق المجانبة للمحيط، ثم عرج على اليمين مرة ومرة وعلى اليسار مرات حتى استوت الطريق التي تتسامق على جانبيها أشجار الأوكاليبتوس. هنا شعرت بالراحة والأمان، لم تعد تطاردني تلك الأصوات الهستيرية الصاخبة ما عدا صوت أبي وأمي الذي كان يتناهى إلى سمعي. سمعتهما يتجادبان أطراف الحديث وفهمت ما أرادوا إخفاءه عليَّ: خالي "مبارك" أصيب بمس من الجنون في عقله، أكل سما ما أو جعلوه يأكل هذا السم (التوكال)، لم يجدوا له علاجا في مدينة "بن سليمان" حيث يقيم جوار خالين لي آخريْن، لذلك جاؤوا به إلى مستشفى "العنق" بالدار البيضاء. تلك البناية إذاً وذلك المكان المرتفع أمام البحر كان مستشفى! وتلك الزجاجة الصغيرة! آه، لا يجب أن تفلت مني، أخذت أضغط عليها بيدي داخال جيبي حتى لا تتبدد. لم تكن الدار البيضاء في قبضتي الصغيرة. تركتُها هناك. وهي؟ لماذا تركتْني أرحل بدونها؟ لماذا لم تشدني إليها؟

أخرجتُ يدي من جيبي وإذا بالزجاجة تسقط أرضاً عن غير إرادة مني. تبعتها وقد كادت تقارب في تدحرُجها قدم والدي. عدت فوق ركبَتَيْ أمي ممسكا بها بكل قوة وحيطة. صرخ هو:

ـ ما هذا؟

ونتش الزجاجة من يدي ثم أخذ يتأملها دون أن تغادر يده اليسرى عجلة القيادة. صرخ مزيدا:

ـ أين وجدت هذا الشيء؟ إنه دواءٌ خاص بالحقن!

تلعتمت و... ولحسن الحظ أنني لم أكن أمام عينيه اللتين كانتا تراقبان الطريق أكثر مما كانتا تنغرزان فيَّ.

ـ وجدتُها.

ـ أين وجدتَها؟

ـ...........

ـ دَاكُورْ آ ولد الحرام... فهمت. إذاً خرجتَ من السيارة!... سوف ترى حينما نصل إلى الضيعة. والله الليلة سأسلخ والديك!

رمى بالزجاجة عبر نافذته على اليسار وكف عن الكلام.

تكمشتُ كقنفد في مكاني دون أن أكف عن النظر إلى الطريق حيث كانت الأشجار تهرب نحو الخلف. ما أن وصلنا إلى الضيعة حتى هرعت إلى أحضان "أمي حنّة" "الحدّاوية" (أمي الأخرى بالتبني) في الجناح الآخر من دارنا الفسيحة وأنا أصرخ: "ناري ناري يا أمي غادي يسلخني!".

ـ من؟

ـ خويا... ولدك...

دستني في صدرها، بين ثدييها الأسمرين، بحنان كما العادة وهي تقول:

ـ وا... إذا كان رجل يجي.... هاي هاي هاي على وليدي! يضربوه ليَ؟ ههههههه... ارتح آلمصيطيفى... ارتح....

ارتحت وأنا أدس رأسي في صدرها. كنت أعرف أنها درعي المتين الواقي وملجئي الآمن في أوقات الشدة وغير الشدة.

لم يسلخني أبي تلك الليلة. سلخني الألم لفقدان الزجاجة، وسلخني الألم لأنني لم "أحْتِ" على الدار البيضاء معي في قبضتي. باتت معي تلك الليلة في أحضان "أمي حنّة". كنا كعشيقين هاربين من بطش أعداء مجهولين.

في صباح الغد كان لدي إحساس بالحقد تجاه "المدينة". أخذت أتساءل لماذا لا تحبني؟ لماذا تتركني أمضي؟ لماذا تسكنني ولا تدعوني لكي أستوطنها؟ لماذا تنفيني بينما أنا أُبايعها؟ لماذا تُحاكي "بلهدهود" الفخور المغرور بنفسه الذي قرر ألا يسقط أبدا في فخي (مهما وضعتُ له من ثمار: ها الدود بأنواعه، ها حبوب الدرة والقمح والشعير، ها قطع الخبز... والو... والله ما عمره نقب!) فيئست منه ولن يتسنى لي تبعا لذلك مداعبته ومساءلته عن ماهيته وعن قصته وحكاياه؟

اسمعي أيتها الدار البيضاء! يئست من هذا المخلوق الذي يطير، هذا صحيح، ولكنك لا تطيرين. أنت هنا في داخلي. قفصي الصدري هو قفصك. صدقيني، لن تغادريه أبدا.

أحبك يا الكافرة بالله ولن أدعك تفلتين مني ولو قيد أنملة، فكفاك صدا ومعاندة.

صدقيني: والله إمّا بي... أو بِك!

هاااااااا خَطّ يدي!

ولسوف نرى.

**
Read more ...

Patrie


23 AOÛT 2010

Patrie

*
Tu demeures donc ma patrie
Même s’ils annihilèrent la patrie en toi

Lance tes youyous car il n’est que le temps d’un cillement et les détails du premier exode me quittent. Et puis à travers mes prairies intestines, tantôt tu t’éclipseras, tantôt je boirai, en ton absence, les chagrins de mon second exil après le millième hégire. Je brandirai toute ma figure alors face à ce Rhône, pour que nous vivions, toi, Sabou et moi. Tu n’as donc qu’à pousser tes youyous…
Chante, Dame des mondes, car je te proclame ma patrie
Sur mon visage la sphère se roule, erre
Chaussant le vent
Je poursuis ce que j’appelai : Rêve
N’est-ce pas toi le Rêve ?

Quand je tente de le saisir, il se faufile, me fuyant
Voici que la patrie désirée, ma mie, se mue en ombre !

Je fonce alors dans l’errance comme tu fonces dans l’absence
Et l’enfant en moi se réveille et te hèle :
" Tarde donc un instant ! Patience !"
Tu ne tardes point, hélas !
« Du calme, dis-je alors à mon enfant, devant la porte de la patience il n’y a pas de ruée »
« Sors de moi, vieillard, répond-il. Prends ton corps arqué. Moi je ne me plierai guère. Sache que ton Moi est un gouffre qui m’étouffe. »

Quand le vieillard se mit hors de moi
L’enfant s’écria :
« Amers sont tes yeux, ami »
« Persévérons donc ! » répondis-je
*
Read more ...

Amour de la Langue


28 MAI 2011

Amour de la Langue



J’implore ton pardon
Ô langue effarouchée !
Ce sont là mes souffles mixtes
Que j’éparpille entre tes seins
Rien de plus
Rien

A l’ère où ton être n’était point être
Une nuée enfanta une lune
Et une étoile

La lune devint déesse
Tu fus l’étoile
Et moi la nuit
Toute la nuit
Tous les ennuis


*
Read more ...

Errance... Encore... Toujours...


18 AVR. 2012

Errance... Encore... Toujours...

*










Les questionnements me ceignent


Alourdi d’espoir, cœur languissant, je m’en vais sur ta trace, transperçant les ténèbres, franchissant les remparts, traversant les tropiques de l’errance, de la boue, de la nausée.
Dis-moi donc :


Où as-tu déposé bagages ?


Où les bagages t’ont-ils déposée ?


Tu es à moi seul
Et à mes profondes strates ta cendre
A moi sont les instants que tu combles lorsque me surprend ta venue
Entre moi et celui que j’étais
Entre toi et moi

Tu te frayes un passage quand dans ma tête les gongs cessent de tonner

Dans mon intérieur tu célèbres solennellement le plus interdit de tes rites

Quelques semis de rêves se mettent à danser

Et le souvenir du premier exil dégringole.


*
Read more ...

الدرس اللغوي:الكتابة العروضية و التفاعي


cours d'arabe دروس العربية
الدرس اللغوي:الكتابة العروضية و التفاعي
تختلف الكتابة العروضية عن الكتابة الإملائية بما يلي
- إثبات الحرف المنطوق ( مثال هذه تكتب عروضييا هاذه)
- إغفال الحروف غير المنطوقة ( مثال آلاف العيون تكتب عروضيا آلاف العيون)
- فك الإدغام ( مثال قرة تكتب عروضيا قررة)
- حذف همزة الوصل إذا لم تأتي في بدء الكلام وتكون في الأسماء العشرة
- يعتمد الترميز العروض على الحركات فنرمز للحركة بعلامة (ا) سوءا كانت ضمة أو فتحة أو كسرة ونرمز للسكون بعلامة (0)
- يتكون البيت الشعري من أسباب وأوتاد وفواصل وهي التي تشكل التفعيلات
- عدد التفعيلات ثمانية منها إثنان خماسيتان وهما فاعلن وفعولن وستة سباعية وهي مستفعلن- مفعولات- مفاعيلن- مفاعلتن- متفاعلن- فاعلاتن
مثال
قال الشاعر محمد الحلوي
أهل وآلاف العيون دوامع ولاح وفي كل القلوب فواجع
أهلل وآلاف لعيون دوامعو ولاح وفي كلل لقلوب فواجعو

Read more ...

الدرس اللغوي:أسماء الآلة والزمان والمكان


cours d'arabe دروس العربية
الدرس اللغوي:أسماء الآلة والزمان والمكانجدع مشترك
           إسم الآلة:
             - يصاغ اسم الآلة للدلالة على ألأداة التي يقع بها الفعل ويؤخذ غالبا من الفعل الثلاثي المتعدي وتأتي أوزانه على     ثلاث أوزان وهي: مفعال ومفعل ومفعلة
            أمثلة:
- إسم الآلة لفعل نجر هي منجرة ( فعل ثلاثي على وزن مفعلة)
- اسم الآلة لفعل قص هي مقص ( فعل ثلاثي على وزن مفعل)
- اسم الآلة لفعل حرث هي محراث ( فعل ثلاثي على وزن مفعال)
اسما الزمان والمكان:
- يدل اسم الزمان على زمان الفعل ويدل اسم المكان على مكان وقوع الفعل.
- يأتي اسم الزمان والمكان على وزن مفعل إذا كان مضارعهما مفتوح العين أو مضمومها أو فعلا ناقصا ويأتي على وزن مفعل إذا كان مضارعهما مكسور العين وفعلهما صحيح أو إذا كان فعلهما مثالا صحيح الآخر.
- يصاغ اسما الزمان والمكان على وزن اسم المفعول إذا كان فعلهما غير ثلاثي.
أمثلة:
- اسم مكان لفعل وطن هو موطن ( على وزن مفعل)
- اسم مكان لفعل هجر هو مهجر ( على وزن مفعل)
- اسم مكان لفعل طلع هو مطلع ( على وزن مفعل)
- اسم زمان لفعل ولد هو مولد ( على وزن مفعل)

Read more ...

الجمعة، 15 يونيو 2012

المَوتُ في الدَّار البيْضَاء البيان رقم 1

0 التعليقات


31 JANV. 2012

المَوتُ في الدَّار البيْضَاء



(قصة حب طويلة ـ البيان رقم 1)


بيني وبينها حبٌّ قديم جديد، حبٌّ منعش كالندى ساعة الفجر، حبٌّ لازال يتقادم ولازال يتجدد، حبٌّ هو أقرَب إلى تلك العلاقة السّاديمازوشية المتعددة الأبعاد.

بيننا - أو هكذا يُخيل إلينا معاً - ذلك الرباط اللامرئي من المحبة المتينة والعُدوانية العميقة؛ عدوانية مصطنعة لا حقيقة لها، ولكنها تؤلم وتؤذي بعمق. بيننا التلاقي والتّنافر، الوصال والانفصال، العشق المتبادل والملل المتبادل، بيننا الحرب بمعنى ما والمهادنة بمعنى آخر. بيننا اليأس والأمل، ورغم كل شيء لا شيء يتغير، نظل معاً، نختلف ولا نفترق، نتباعد ونتقارب. يحذث لنا كثيرا أننختلف، ولكن ناذراً ما نفترق، يبتعد كلانا عن الآخر، ولكن سرعان ما نلتقي دون تأخُّر حينما الواحدُ منا يشتهي ذلك.

أعلَمُ أيضا أنها تُكنُّ لي حقدا فريدا من نوعه أجهل تقريبا سببه، وكرَدٍّ عفويّ مقابلَ ذلك أوافيها طواعية بضغينة مشروعة وحنق لا يخرجان على قانون علاقتنا. قصة حبنا أخذٌ وردّ. هي وحدها - في الماضي و الحاضر والمستقبل معاً - تبرِّر كل ما ذكرت، تبرر هذا الحب الذي يظل حبا مهما كان الأمر، يظل حبا نمارس فيه لعبتنا كما يشاء المزاج.

هذه العلاقة الطافحة بالمتضادات والمتناقضات تظل تمضي في سبيل زمني يأخذ - حينما يحلو لعشيقتي البيضاء ذلك أو حين أشاءُ أنا - بُعداً تكبر تضاريسه وتتضخم لتصبح أكثر تعبيرا عن نفسها لمَّا نلتقي على الخصوص.

ولكي نلتقي تطبِّل عاصمةُ اقتصادِ هذا المغرب القاسي في رأسي وتزمر. تقلب السماء والأرض وتقعدهما حين أكون بعيدا عنها وتدعوني بنَزق طفوليٍّ أحيانا وأحيانا باستجداء ممزوج حنانا وحبا وترحابا أن أعود توّاً، دون أن تكف خلال كل ذلك عن التألم لحرقة الفراق ولوعة الشوق وسكَرات البُعد.

وبَعد البُعدِ يكون القرب، نلتقي وقد أتيتها كما لو على أربَعٍ لاهثا لأغوص فيها، لأعانقها، لأكُونَها وتُصْبِحَني... ثم إنها لا تفتأ أن تؤلمني متلذذة كزوجة طاعنة في السن يحلو لها ممارسة الثأر وكأنني خنتها دون علمي. يحل اللقاء وتستقبلني في البداية الدار البيضاء بذراعين مشرعتين، تأخذني في حضنها، تدعوني إلى عُلبها الليلية وحاناتها النهارية مانِحةً إياي ألف كأس ودَنّ، ثم تلقفني بين الفينة والأخرى ثديها الأيسروترضعني حليبها الذي له طعم جعتي المفضلة الـ"مايْدْ إنْ موروكُو". أمتص رحيقها حتى الثمالة قبل أن أسافر في جسدها الذي له نكهة المغرب العميق. أدخلها وتدخلني خلال ليالٍ بيضاء طويلة كالأبد، أسكنها عميقاً حتى... حتى أُصبِحها، حتى نصبح واحدا. ولكن ما أن تنتهي طقوس الاحتفال حتى توجعني مدينتي بحبها وشكوكها وتوهماتها ونزقها وما إلى ذلك.

شيءٌ حين نلتقي، وأمر آخر حين تكون المسافات فاصلةً بيننا وظروفُ العيش عائقا يفرقنا. هذه الظروف بالخصوص يبدو لي أن الدار البيضاء لم تستسغها بما فيه الكفاية، فظلت تخالني انسحبتُ منها في بداية الثمانينات عن طواعية وانسللتُ إلى بعيد خفية عنها دون إذنٍ منها ميمِّما شطر مدينة المنفى والاغتراب. لعل لها إحساس المنبوذة التي - بعد أن أحببنا بعضنا ولا نزال - غادرتُها فمضت تتقلب بين الحب والكراهية. من يدري؟ ربما كانت على حق، هي وحدها تعلم.

ليست هذه المدينة بمسقط رأسي، لا بل عرفتها عن طريق الصدفة. رأيت رأسي يسقط في مدن مختلفة بجوارها وبعيدا عنها، رأيته يتساقط جنوبا وشمالا، شرقا وغرباً، إلى أن استقر بي القرار منذ أمد وبعد الموت حبا في الدار البيضاء بالمدينة الشقراء "ليون" التي أوتني وذثرتني ببردها وغطَّتْني بصقيعها طوراً وطوراً بقيْظها الصيفي الذي لم يكثم أنفاسي بعد.

لست وحدي حبيبها. أعرف ذلك ولا أنكر منه شيئا. للدار البيضاء أحبة هم أيضا أحبتي.

حينما يضيق بي المكان أيمِّم شطرها طلباً للدفء والشمس الناذرة. أعود إليها منجرفا وكأنما أمواجٌ عاتية تدفعني نحوها. أعود إلى الوكر الأول لأجدني في أحضان الدار البيضاء وما أدراك ما أحضان الدار البيضاء. 

آتيها طوعا ومرغما في نفس الآن. بعد اغتراب له عمر الأبد وطعم الكَمد أحس بمغناطيسها يجذبني بعد أن كان بيننا البيْن وبعد أنْ، رغم البعد، ظللنا نتواصل ذلك التواصل الذي لا يحسه إلا من عشق وبات ردحا من الزمن في منأىً عمن يحب. آتيها وقد كانت بيننا لقاءات شتى لامرئية ولا ملموسة.

عن بعد يحدث أن يكون "اللقاء" هكذا:

ـ آلو!... أمي!... كيف الحال يا الحاجّة؟

ـ هاي هاي هاي! مالك غبرت؟

ـ لا شيء يا أمي، كل شيء هنا بخير، وأنتم؟ كيف هي الأحوال؟

ـ وا... وليدي أنت عارف... أصحابك هاجروا... الحيّ عمر... الداربيضة ولات كحلة... قل لي...

ـ نعم يا الحاجة.

ـ كيف حالك مع البرد؟

ـ أنا أحن إلى حرارة البلاد يا أمي. بي شوق إلى صهد الدار البيضاء و...

تضحك أمي بحنان وتسرد لي تفاصيل المدينة وموجز الأحداث. في نبرة صوتها الضاحط أسمع تجاعيدها التي تتراكم يوما بعد يوم، تجاعيد أكتشف تزايدها كل سنة حينما أعود. لست أدري لماذا أجرع تجاعيد أمي و هي تحتضنني وتقبلني لما نلتقي بعد عامٍ في رحلة صيف أو شتاء... ولست أدري لماذا خلال تلك اللحظة وما بعدها تجتاحني تلك الأسئلة الحارقة من مثل: الزمن؟ الوقت؟ العُمر؟... وتطن في رأسي تعابير طالما سمعتها وأسمعها هناك في مدينتي التي لها أبعاد الوطن: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"... "الوقت من ذهب"... هذا ما تعلمناه في المدرسة. أما ما يقوله الواقع فهو: "لا زربة على صلاح"... "ما عنديش الوقت"... "اللي زربو ماتو"... "سير حتى الغد"... "وا خويا مع الوقت"... الوقت... وقت... وق... وق... واق... واق... واق... وااااااااا.....

أي وقت؟ وقتي أم وقتُهم؟ وقتي أم وقت الدار البيضاء؟

ـ اقطع ذاك الزبل يا وليدي الله يهديك!

ـ آش من زبل يا الحاجة؟

ـ الشراب يا وليدي....

ـ والله أنا لا أشرب يا أمي إلا حينما أعود إلى الدار البيضاء و...أنتِ تعرفين الوقت و... الزمان...و...

و... و... و... و...

و... وخلال مثل هذه اللقاءات ـ عن طريق أمي أو بواسطة ما تبقى من الأصدقاء حين أصادفهم هاتفيا ـ أشفي غليلي من حرقة البعد عن مدينتي وأبثها حنيني وما يعتريني صوبها من شوق لا يهدأ لهيبه إلا حينما تضمني بالقوة والفعل في الأحضان وترضعني مجددا من حليبها الذي يبعث النفَس الجديد والتجدد.

إنها، وأنا هنا، لا تأتيني، لا تزورني فقط، بل تنتابني، ثم تتملّكُني رويداً رويداً، وتكبُر فيَّ بالتدريج وتجتاحني كمحيطها الأطلسي المعربد الصاخب.

الموت حبّاً في الدار البيضاء حياةٌ جديدة، حياةٌ أخرى.

حبها حتى الموت حياة.

شاي الله يا البويضة! وااااااااااا البويضة فين مواليك آه؟ وااا كْوَيزة يا كْوَيزة هااااه! طَنْ طَرنْ زْطَقْ أطَقْ... طَنْ طَرنْ زْطَقْ أطَقْ...

تحين ساعة العودة إليها إذاً وتبدأ هجرة من نوع آخر، هجرة نحو الأعماق، هجرة نحو الذات، نحو ذاتي البيضاء، نحو داري البيضاء.

وأنا في طريقي إليها برّاً أو بحراً ثارة وثارة أخرى جوّاً أو عبر الخيال تبدو لي من بعيد كامرأة لها ألف وجه، امرأة يحلو لها أن تلعب دورالحاضنة التي تفيض حنانا، تدُسُّك في حِجرها بمحبة ناذرة و ترضعك حليب ثديها المتهدل الذي يتحول إلى شتى الأشكال تبعا للظروف والأحوال. وقد تتحول إلى غانية في مرقص ليلي تُلوِّح إليك بنهديها الشبيهين هذه المرة بوجه أرنب مشاكس يحلو له الاستفزاز، وهما يرقصان ويهتزان ويسحان إغراءاً وشبقا.

ما أن تمضي سويعات على لقاء الأحبة في البيت ومعانقتهم حتى تتملكني الرغبة في الخروج كي أجوب الفضاء الفسيح. أسلُك أزقة الحي الشعبي الذي تكدس سكانه عبر السنين حتى أصبح يبعث على الاختناق والغثيان. محملا بالذكريات أسير وأنا أبحث عن وجوه أليفة عرفتها، ولكنني لا أرى سوى وجوه شاخت وأصبحتْ مُمتَصّة صدئة بأسنان لفظت أنفاسها الأخيرة أو تكاد. أرى أطفالا تركتُ بعضهم رُضَّعا كبُروا وأصبحت لهم بنيات لاعبي الكرة المستطيلة بأقدام تشبه في حجمها قبرَ طفل مات في سن الرضاعة. آخرون تفرّخوا في غيابي وازداد بعضهم وهو يحكم قبضته على حبّة منع الحمل التي كانت ستجعل من وجوده عدَماً. أناس ذوو سحنات بدوية استوطنوا محيط المدينة، هربوا من قحط البادية وصهد الجفاف بكل معانيه. لا أثر للأصدقاء القدامى إلا قليلا. كثيرون هاجروا، تبددوا. غيروا المكان فارين بجلدهم نحو الخارج. ها ميركان، ها فرنسا، ها الطاليان، ها أرض الله الواسعة... أحس بالوحدة، بالقنوط وبالاغتراب وأنا في حضن وطني الدار البيضاء، وما أشده وأقساه من اغتراب. كالغريب أكمل السير في أحشاء الحيِّ، أعانق بعينيَّ الناس والأمكنة.

و في كل الأمكنة التي تشبهني أرى الدار البيضاء تُرضع أطفالها جوعاً وجَعاً فقراً وبطالة... لذلك منهم من هاجر، ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من أصابه مسٌّ من الجنون، ومنهم من تحول إلى متسكع أو لوطيّ يتصيد السائحين شيباً وشبابا، ومنهم من لازال ينتظر...

يتملكني الألم ويوجعني ذوو القربى... و...

وتجتاحني الرغبة فجأة في العودة إلى "ليون"، أحن إليها. تكتسحني رغبة عارمة في العودة إليها هربا من سادية بعضٍ من هؤلاء القوم، سادية أحس بها تستهلكني بلذة مَرَضية. لا أستطيع المقاومة كثيرا. أهرب، أنجو بجلدي.

ما أن تطأ قدماي أرضية مطار المدينة الشقراء حتى ألتفت نحو الجنوب، فأرى الدار البيضاء تلَوِّح لي بيمناها وعيناها مبللتان بالدموع:

ـ أحبك ياااااا المصيطِفى!

ـ أنا أيضا أحبك يااااا البْوَيضة. سامحيني.... سأعود... سامحيني... سأ... سَ... سُ... سِ... سٌ...

أغمض عينيَّ بقوة حتى لا يهطل منهما شيءٌ يشبه الدمع.


(يتبع)

*

الموت في الدار البيضاء البيان رقم 2

0 التعليقات


2 AVR. 2012

الموت في الدار البيضاء

(قصة حب طويلة ـ البيان رقم 2)

نبذتُها مُكرَهاً.

عن غير قصد غادرْتُها، ووجدت نفسي أبتعد عنها قاطعا متاهات التيه والغثيان طلبا للنجاة بذاتي التي أصابها ضيرُ الوطن وثلة من بعض الإخوة في المواطنة.

الآن، بعد مرور كل هذه السنين، أتساءل: هل أنا الذي تركْتُها أم هي التي تركتْني؟

الآن... وأنا أعود إليها بعد طول غياب، تطأ قدماي أرضها، يضمني جيدُها السخي بحنو، فينفث صدري آهة وزفرة لهما ألم المخاض وصرخة الجنين: "آآآآآآآآآآح يا أنا! آآآآآآآآآخ يا أنا! آآآآآآآآه يا الأيام!"... بعد ذلك أستنشق أريجها الملوث، أشعر بقليل من الارتياح، وأخطو في تفاصيلها الصغيرة والكبيرة علني أشفي ظمئي. أمتطيها عبر كل الجهات لكي أحس بالدفء الذي طالما افتقدته.

الآن... هي ذي تفتح لي دراعيها وتضمني، تقبلني كالأم ثارة وكالحبيبة المولَعة بي ثارات أخرى.

الآن... وأنا أقطع راجلا أوصالها الملوثة يذكرني كل موقع أمر به، كل شارع أو زقاق أعْبُره بتاريخ مضى أو بصورة مرت وتمتد في القدم. هي صور لا تأتي بالضرورة مُرَتبة حسب وقوعها في الزمن، لا بل تأتي بفوضوية، في مزيج من ذكريات عتيقة تمتد حتى تلامس تخوم الطفولة الأولى وذكريات أكثر حداثة من ذلك أو أقل أو ما بينهما أو... أو... أو... وهلم جرا.

هنا، وسط هذه البنايات الشامخة، في خضم هذا الضجيج المسعور، تأتيني صورة الطفل الذي كنتُه ذات يوم، نفس ذلك اليوم الذي سأُصاب فيه بصعقة الحب الذي اصطلاني تجاه الحبيبة البيضاء، حبيبتي التي سلبت لبي طفلا ثم تملكتني فيما بعد ذلك عبر مراحل العمر الذي يمر مرور الريح الهاربة.

ليس من العسير بتاتا على ذاكرتي أن تعرض أمام عيني الداخليتين ذلك الشريط الملون بالأبيض والأسود والذي يعيدني إلى ماض يمتد حتى أعماق الطفولة الأولى. أضغط على زر ذاكرتي فأرى الطفل الذي كنتُه على بعد كيلومترات معدودة من الدار البيضاء، على الطريق الوطنية التي تربطها بمدينة الجديدة، في الضيعة العائلية التي تعود إليها أولى صور الطفولة. كانت ضيعة "عين سيّرْني" على مقربة من بلدة "أحد السوالم" عالمي الخاص والوحيد. لم أكن أعرف غير هذا الفضاء الفردوسي، ولم أكن أعتقد بوجود أمكنة أخرى غيره ما عدا مزارع بعض إخوتنا في الله أو ضيعات بعض جيراننا من المُعمِّرين الفرنسيين. لم نكن نعرف غير هذا العالم الساحر، نمرح فيه ونسرح، نطارد العصافير والفراشات... العصافير؟ ها طيور الحمام التي كانت تشاطرنا الحياة!... ها طيور "الجَوْش"! أكثر العصافير بداوة وتوحشا. ها "بلهدهود"! الطير الأنيق المغرور بنفسه والذي لم يتح لي يوما أن أداعبه بين يدي وأسائله عن سر جماله وخباياه الداخلية. ها "السَّمّان" الذي حينما يطير ينطلق مثل القذيفة، يمزق هكذا الصمتَ فنرتعد نحن الصغار ونرتعب لحظتها بفعل المفاجأة... ها "بو المقيصات" العصفور المغفل... ها "مْسِيسي" الرشيقة، الممشوقة القوام، المعجبة بنفسها وهي تختال في مشيتها كعارضة أزياء... ها "صْطيْلة" المزركشة دوما وكأنها في حفل زفاف لا ينتهي... وها الفراشات القزحية التي قيل لنا إن غبار أجنحتها لو دردرناه على عاناتنا الملطاء فسيصبح لونها أسود مثل الرجال الكبار، حتى لو كانت خالية من الزغب أصلا... كنا نريد أن نكبر بسرعة!... هذا صحيح. ولكي نكبر بسرعة كنا نقتات من نباتات الطبيعة ونتبع بالحرف ما بلَّغَنا إياه سابقونا: "الحمَّيْضى" تليق لوجع البطن، نبثة "الحُلِّيبة" يليق سائلها الأبيض الذي يشبه الحليب لتغليض وتكبير الذكر حين تُسكَب فيه بضع قطرات، "كرينبوش" ينقي الدم... "بيض الغول" لا يجب حتى تذوقه لأنه سم قاتل... و... وهلم جرا.

وها إنني أعود ذات مساءٍ، ككل مساء، هربا من الليل الذي أخذ يشرف على بسط ستاره المليء بالأشباح إلى حيث البيت الفسيح. كنت أكره الليل لأنه مليء بالجن وبـ "عائشة قنديشة" التي لها قَدَما ناقة والمولعة بخطف الأطفال، و"بُوعُّو" الذي يبث الرعب، و"حمار الليل" الذي يضرب بقساوة تجعل المرء كمجنون تائه، وزد على ذلك كائنات لامرئية أخرى من التي تترصد الأطفال حسب ادعاء من كانوا أوصياء علينا أو أكبر سنّاً منّا. لذلك، حينما كانت الشمس تغادر نحو الغرب، وفي انتظار عودتها غداً كان حزن العشيّ يدخلني كما العادة بالتدريج.

كالكتاكيت عدنا ذاك المساء، مضى كل منا إلى حال سبيله قبل أن يأتي الليل اللئيم. جلست كالعادة على عتبة البيت داخل السورالواسع أراقب غروب الشمس وأنصت إلى هدوء الغبش الذي مزقه فجأة صوت عمِّي "الصْغير" أبو الشوارب الطويلة المعقوفة كمنجل (كانت تبهرني، وكان لطيفا جدا لأنه كان يسمح لي بمداعبتها وهو يموت ضحكا). رأيته وقد دفع باب السور الخلفي مهرولا، مناديا، صارخا بأعلى صوته وهو يلوح بيديه: "واااااااالسي محمد! وااااااااجلّول! وااااانتوما راه.... السلطان مات!... السلطان مات! الله يرحم السلطان... واااا ناري ناري أميمتي السلطان مات!".

في تلك اللحظة أصبت بهلع لا سابق له لأنني لم أر من قبل عمي "بو الشوارب" على تلك الحالة التي بدا لي فيها كمجنون. هرع إليه الآخرون من أعمام وأقرباء وعمال المزرعة. ساءلهم إن كانوا سمعوا الخبر كما سمعه هو... أين سمع الخبر؟... الراديو. تجمهروا حول صندوق عجيب وأخذ أبي يدير أزراره بتأن وصبر. كان الجهاز يصدر ثارة أصواتا متحشرجة، وثارة موسيقى، وثارات أخرى كانت أنفاسه تنقطع ولا تعود إليه الروح إلا بعد أن يعالجه والدي من هذا الجانب أو ذاك بضربات خفيفة بقبضة يده.

كانوا كلهم يحيطون بأبي! أبي كان هو المركز! لم يكن يحس بأنني أمسك بساقه وأنا أنظر إليه من أسفل وكأنه جبل شامخ. كنت أعتقد بأن أبي هو أقوى رجل في العالم. لكنني في لحظة ما رأيت عينيه تدمعان كالآخرين بعد أن طبطبوا كثيرا على الصندوق العجيب وأداروا أزراره عدة مرات وسمعوا أخبارا ربما لم تسرهم. نعم! السلطان مات!... مات! سمعت نواح نساء وكلمات رددها الرجال مثل "المدينة"... "الملك"... "الموت"... "السلطان"... "محمد الخامس"...

ما "المدينة"؟ ما "الموت"؟ ما "السلطان"؟ من هو "محمد الخامس" هذا؟...

هنا يحدث للصورة في ذاكرتي ما يشبه "القَطْع". تنطفئ تماما ويعم ظلام دامس. الصورة التي تليها مباشرة وبعفوية قصوى، تلك اللصيقة بها في ذاكرتي كالتَّتِمة، هي هذه التي تعكسني في يوم الغد أو في اليوم الذي بعده أو بعد اليوم الذي بعدهما أو... لا أدري.

أتذكر أنني في ذلك الصباح الباكر وجدت نفسي أعتلي ركبة "أبَّا الجيلالي" داخل سيارة "الرونو" المتوسطة الحجم والتي كانت مقصورتها الخلفية مملوءة عن آخرها ببعض أفراد العائلة. لم يستشرني أحد حول رغبتي في مرافقتهم ولم أسأل أحدا عن الوجهة التي كانوا يقصدونها. كانت العادة أن أرافقهم كل يوم أحدٍ للتسوق في "أحد السوالم". لكن، هذه المرة، كان أبي يوجه "الرونو" في الاتجاه المعاكس. كان يقودها بسرعة فائقة جعلتني أحس تجاهه بفخر وإعجاب نادرين. كنت أرى أشجار الأوكاليبتوس السامقة والمحيطة بجانبي "طريق الجديدة" تفر بسرعة جنونية نحو الخلف. كان ذلك يثير في داخلي مزيجا من الاندهاش والمتعة. وكانت الأرض الواسعة بأشجارها وحقولها وبيوتها المنتشرة هنا وهناك كواحات صغيرة تبدو لي كبساط يمتد حتى يلامس أطراف الأفق الذي لا نهاية له. كانت الحقول الشاسعة هي الأخرى تتراجع نحو الخلف، وكان الأفق يبدو لي بعيدا بعيدا جدا على الجانبين وكأن لا مجال للوصول إليه. ثم ها إنّ هذا العالم الفسيح يأخذ في التقلُّص ثم الاختفاء رويدا رويدا بقدرما كان أبي يأخذ في التخفيف من سرعة "الرّونو" وهي تتسلل داخل فضاء مغاير تماما. أحسست بأنني أنتقل إلى عالم آخر بالتريج، عالم مليء بالطرق الملتوية وبالبنايات التي يزداد علوها ارتفاعا طالما السيارة توغل في سيرها نحو الأمام. دارت السيارة إلى اليمين مرات، ثم عرجت على اليسار مرات، لفّت ودارت، وكنت في عز دهشتي وانبهاري أعد طوابق البنايات الشاهقة المتفاوتة العلو والمتراصة بانتظام جنبا إلى جنب. كان الآخرون يتجادبون أطراف الحديث الذي لم أتبين منه شيئا كثيرا. كان ضجيج خارجي يتكون من أبواق السيارات وأصوات بشرية أخرى صاخبة يتسلل حتى داخل السيارة ويعم أرجاءها. هل مررتُ من هنا فيما قبل؟ يجوز. ولكنني لا أتذكر. يبدو أنها المرة الأولى التي أكتشف فيها هذا "الكون" الفريد من نوعه. بدأت أخمن أن هذه هي "المدينة" التي سمعتهم يتكلمون عنها من قبل، هذه هي "الدار البيضاء" لأن اللون الأبيض هو الطاغي على البنايات الملتفة فيها. ثم إن هذا الهواء الذي أستنشقه غريب عني. حتى الهواء هنا له طعم آخر، طعم مغاير لهواء ضيعتنا. لم أكن في حاجة إلى سؤال أحد من الكبار الذين كانوا غارقين في عالمهم الخاص لكي يجيب عن تساؤلاتي التي لا نهاية لها... وها سرعان ما أركن والدي سيارته في ركن ما من شارع ما... ترجلنا. وهنا تضاعفت دهشتي وازداد انبهاري. تناسلت تساؤلاتي لِما رأيتُ. وجدتُ نفسي وسط غابة كثيفة، أشجارها بنو آدم. كانوا يشدون على أيدي بعضهم البعض وفي الأيدي الأخرى مناديل بيضاء يلوحون بها أو يمسحون بها دموعهم. أتذكر أن لباسهم كان نظيفا يطغى عليه اللون الأبيض واللون الأسود. كانوا أنيقين. وحينما كنت أرفع رأسي إلى أعلى كانت تتراءى لي نساء يزغردن وينُحْن في نفس الوقت وهن يخدشن خدودهن بأظافرهن. أُصبتُ بهلع شديد وأخذتُ في البكاء والصراخ وأنا أنتفض بين قبضة يد أبي الذي كان يمسك بدراعي منذ أن غادرنا السيارة. حملني بين دراعيه دون أن يسألني عمّا بي وواصل السير في خضم الزحام. لما شعر بالثعب ألقاني فوق كتفيه فشعرتُ بكثير من الراحة وانتابتني متعة وأنا أرى الأشياء من أعلى. كنت فوق كتفيه كسلطان لم يمت بعد. كان أريج دهان "رُوجَا" الذي اعتاد أن يطلي به شعر رأسه الأسود الناعم يملأ خياشيمي ويبعث في داخلي إحساسا غريبا. أخذت أراقب ما يحيط بي: حشود من البشر مصطفة بانتظام تولول وتصرخ ملء حناجرها: "الله يرحم السلطان!... عاش الملك!... عاااااااااش الوطن!... لا إله إلا الله، محمد رسول الله... لا إله إلا...".

رأيتُهم يتقدمون نحو مكان ما وكأنهم اتفقوا على اللقاء فيه من قبل. الكل كان يتجه نحو مركز المدينة أو نحو مكان آخر محدد فيها، بنظام وانتظام! عجب! كان الشارع أو الشوارع كأنها منحدرة يتدحرج عبرها كل هذا القوم بتلقائية ودون جهد! إلى أين كانوا يتجهون؟ الله أعلم. لا إله إلا الله... محمد رسول الله...

"الله يرحم السلطان!... عاش الملك!... عاااااااااش الوطن!...".

ويعم ظلامٌ دامسٌ في ذاكرتي.

قَطْع.

لم أعد أتذكر شيئا بعد ذلك.

ما أتذكره الآن هو أنني بعد العودة إلى عالمي الأصلي، إلى حياتي الطبيعية، لم أنَم تلك الليلة إلا قليلا. كنت حزينا، وكنت أتساءل:

"أهذه هي "المدينة"؟"

"أهذه هي الدار البيضاء؟"

"هل عبَرتُ هذه المدينة ذات يوم ثم نسيْتُ؟"...

"أكانت موجودة وأنا لا عِلم لي؟".

كنت تلك الليلة أعود إليها خلسة، كنت أسافر في تفاصيلها المجهولة وأنا في فراشي طعمة للنوم الذي أخذ يكستحني بالتدريج. كنت أناجيها وكانت لا تجيبني. لعنتُ سن المدرسة الذي لم يحن بعد لكي أتعلم الكتابة فأبعث لها كل يوم برسالة حب.

باتت في حضني ولم تعانقني.

في تلك الليلة لم يضربني حمار الليل. ضربتني الدار البيضاء.

لم أكن أعرف أن تلك هي "صعقة الحب".

آآآآآآآآح ياني عليك يا "كويزة"!

صدقيني، إني أكرهك حتى أقصى درجات الحب، وأحبك حتى أقصى درجات الكراهية، فاطلبي مني السماح والأمان لأنني مشرف على الموت فيك.

الآن أو غداً.

لا يهم.

(يتبع)

الموتُ في الدار البيضاء البيان رقم 3

0 التعليقات


21 MAI 2012


الموتُ في الدار البيضاء






(قصة حب طويلة)



البيان رقم 3


نبذتُها مُكرَهاً.

عن غير قصد غادرْتُها. 

الآن، ذات عودة وبعد طول غياب، أجد نفسي أَعبُر هذا الشارع الممتد كحَيَّة تسعى على جانب المحيط، شارع يبدأ مساره من حيّ "عين السبع" وما قبْلَه ثم يتعرج هنا وهناك ويأخذ وجهته الطويلة نحو منطقة "عين الذئاب" وما بعدها.

الآن، أجد نفسي في هذا المكان المنفتح في جزء منه على البحر ليشبه بذلك خليجا في حجم مصغر، تتفتق ذاكرتي عن صورة تلي الصور الأولى التي تشهد أول عهد لي بمدينتي التي سحرتني طفلا وتملكتني عبر كل مراحل العمر التي مرت ولا زالت تمر بلا إذن مني!

الآن، أنا هنا وأتذكر.

الآن، تأتيني تلك الصورة حيث كنت طفلا لوحدي فوق ذلك المكان المرتفع، أنظر إلى بعيد فيتراءى لي البحر الذي لا يُحد. أنظر إلى الشاطئ القريب فتتراءى لي أطراف المدينة التي تغرق في مياه الموج شمالا وجنوبا. تتراءى لي الأمواج وهي تصخب وتتحدى غريما لا مرئيا. الدار البيضاء هي هذه؟ البحر هو هذا؟ وأنا؟ أنا داخل سيارة "الرّونو" لا حق لي في الخروج منها كما أُمرتُ.

المدينةُ هي أيضاً بحر!

كل هذا العالم المكوَّن من بنايات الإسمنت في جانب وماء البحر في جانب آخر كنتُ أطل عليه عبر زجاج نافذة السيارة التي لم يكن من حقي أن أغادرها. كنت كعصفور مستسلم يائس لا حول له ولا قوة أمام التعليمات الصارمة. كانت رغبتي عارمة في الانعتاق والتحرر من قيد هذا القفص لأحلق بعيدا في فضاءات "المدينة"، أسبر غورها، أكتشف تفاصيلها، أفك ألغازها، لعلها تمنحني سرها وتضمني إليها إلى الأبد. لكن الأوامر كانت واضحة ولا لبس فيها. قبل أن يغادر أبي السيارة بمعية أمي قال لي وعيناه الجاحظتان بطبعهما تنغرزان في عينيّ:

ـ سنذهب إلى زيارة خالك هناك (وأشار إلى مبنى قريب داخل السور الذي نفذنا إليه عبر السيارة قبل قليل). لا يمكن أن ترافقنا لأن هناك بعض المناظر لا تليق بالأطفال ولا يجب أن ترها. لا تغادر السيارة. لن نتأخر كثيرا. اسمع! لو عدتُ ووجدتك خارج السيارة سـ... وسـ... وسـ... أنت تعرف ما ينتظرك في هذه الحالة! واخَّا؟

حرك سبابته أمامي علامة التحذير والتهديد وأَخرَج عينيه مزيدا فارتعدت فرائصي كما في كل مرة يفعل فيها ذلك. فهمت ما ينتظرني لو خالفتُ مشيئته، فحركت رأسي عدة مرات مجيبا إياه بأن رسالته قد وصلت.

غادرا السيارة وبتُّ لوحدي أداعب عجلة القيادة طورا، وطورا أضغط على المنبه لأعود من جديد إلى النافذة وأطل على البحر وعلى الدار البيضاء ملوحا لها بيمناي وكأنني أطلب منها النجدة أو أدعوها لأن تأتي هيَّ إليَّ ما دمتُ أنا لا أستطيع الذهاب إليها. كان حلمي هو أن أُحكِم عليها قبضتي الصغيرة، أن أجعلها حبيسة كفي كالفراشة أو كـ"مْسيسِي"، أدسها في مكان ما، في جيبي مثلا أو في ركن من أركان السيارة وأصادرها إلى حيث لا تعلم، أسبيها رغم أنفها وأجعلها هكذا ترافقني إلى ضيعة "عين سَيّرْني" على بعد سبعة وعشرين كيلومتر من هنا عبر "طريق الجديدة". هناك أنتقي لها موطنا فتصبح بذلك في حوزتي لوحدي جملة وتفصيلا، تصبح لي بكاملها ولن أكون مضطرا بعد هذا للحلم بها كالمسحور، لأنها الآن معي وبقربي. سأتسلل نحوها ليلا حينما ينام الجميع، سنلتقي خلسة وسيظل ذلك سرا بيننا وســ... آه يا البَّويْضة! آشْ ظهر لك؟ ماذا بدا لكِ؟... موافقة!... وااااااااه!

أُصابُ بسعار الرغبة وصَهَد الحلم الطفولي. تصبح النزوة جامحة وثقيلة الوطء. أنسى أوامر أبي وأنسى عينيه الرصاصتين. أعالج مقبض الباب من الداخل فيُفتَح بسهولة لامنتظرة. أُصبِح حرا طليقا في الخارج وانبهاري لا مثيل له. رائحة البحر تملأني. صخب الموج يمتزج بصخب المدينة. تثير انتباهي طيور تحلق في الفضاء القريب وتصدر أصواتا لم أسمعها من قبل في الضيعة. لن يأتي يوم تسقط فيه هذه الفراخ في فخي أو في شبكتي التي أنصبها للعصافير في الضيعة رفقة أخي الصغير "عبد الرحيم" والراعي وباقي الرفاق من أبناء عمال المزرعة. لماذا؟ لأنَّ لديَّ حدس مسبق بأن هذه المخلوقات التي تطير لا يحلو لها العيش إلا في محيط البحر، وإلا فلماذا لا تغادره وتذهب للتحليق في سماء المدينة كما كنتُ سأفعل لو كنتُ طائراً مثلها؟ في الضيعة، وبالضبط في بركة غير بعيدة عنها، يوجد ما يُسمَّى "دجاج الماء" الذي يحلو لوالدي قنصه في بعض المرات ببندقيته "الزويجة"، وهنا يوجد "دجاج البحر" الذي لا يستقر في مكان واحد.

كانت تتراءى لي في عرض المحيط بواخر في حجم صغير راسية تنتظر ما لا أعرف، وكانت أخرى تدب وهي تمخر عباب الموج متجهة إلى بعيد حيث يأخذ حجمها في الصغر رويدا رويدا قبل أن تختفي في الأفق. كانت تبدو لي كلعب صغيرة اشتهيت تملُّكها... لم يمر هذا المشهد الغريب دون أن يبعث في نفسي العجب والتعجب وأكواما من التساؤلات.

أستمر في اكتشاف هذا العالم من حولي، أنط هنا وأقفز إلى هناك... أصعد درجا لأعتلي ما يشبه منصة من الإسمنت مستطيلة تحيط بجوانب البناية التي دخلها أبي وأمي قبل قليل. تثير انتباهي منارة متسامقة تكاد تخترق السماء، في قمتها ضوء يشتعل وينطفئ بين الفينة والأخرى، وفجأة تتسمر نظراتي على شيء ما ملقى على الأرض، أنحني وأنقض عليه، إنه عبارة عن زجاجة صغيرة في حجم الأصبع يملأها حتى النصف سائل أبيض اللون كالحليب. تذكرتُ للتو نبات "الحُلّيبة" الذي كنا نستعمل نسغه لتكبير أعضائنا الصغيرة بعد أن نسكب قطرات منه في مدخلها. كانت هكذا تنتفخ في الغد الموالي وتنتفخ. كنا نحس بالزهو، وفي كثير من الأحيان بألم فظيع يحاول كل واحد منا أن يكثمه. قلت في نفسي: "لن أشرب هذا السائل (كما راودتني الفكرة في البداية). سأحمله إلى الضيعة وسأتقاسمه مع الرفاق غدا... إنه سيعوضنا عن "الحلِّيبة" التي انتهى موسمها". لست أدري لماذا انتابني إحساس بأن هذا السائل سيكون له مفعول سحري وناجع أكثر من غيره (ربما لأنه "باروك" من الدار البيضاء) ولذلك تمسكتُ به كما لو كان كنزا ثمينا لا يجب أن أضيعه. دسستُ الزجاجة بكل حيطة وحذر في جيب سروالي القصير وعيناي تشعان بما يشبه بريق النصر والظفر، وكانت أصابعي في نفس الوقت تضغط مزيداً على السدادة المطاطية ذات اللون البُنّي حتى لا ينسكب السائل في جيبي ويذهب كل شيء سدى. وأنا في خضم التفكير والتخطيط والـ... انبعث صراخٌ غريبٌ من البناية المجاورة وجعلني أتجمد كما لو أُصبتُ بصعقة. "وااااااااااه! آآآآآآآآه! والله ما ننساك آآآآآلكافرة بالله... بالتي عليك... ها أنا جاي لك أنت يا ولد الحرام... وااااااااه!....". توالت صرخات أخرى من جهات أخرى. أُصبتُ بالذعر. هل كان ذلك بسببي؟ هل أنا المعني بالأمر؟ ولمن هي هاته الأصوات؟... تمنيت لو أن الأرض انشقت وخرج منها أبي. ولكنها لم تنشق ولم يخرج منها أبي. تسللت ببطء وحذر شديدين والهلع يفتك بي. ما أن بلغتُ السيارة حتى دلفت إليها طلبا للأمان وتساؤلاتي تتناسل. تكومت في المقعد الأمامي وأخذت أنصت وأنتظر... طال انتظاري فبدأت أفكر في طريقة لمغادرة هذا المكان بعيداً حيث لا أسمع هذا الصراخ الهستيري. وما كدتُ أتخذ قرارا نهائيا حتى تراءى لي أبي وأمي آتيين. تنفست الصعداء واتخذت وضعية الملاك البريء الذي لم يغادر السيارة قط خلال غيابهما.

كان صمتٌ رهيب يجتاحني. كنت أمام أمي في المقعد الأمامي لَمّا كان أبي يشد بعنان بَغلَته "الرُّونو" ويجعلها تشخر مرارا وتنهق وهو يضاعف السرعة كما يحلو له عادة. كانت السياقة هوايته المفضلة وكانت "الرونو" دابّته التي يوجهها كيفما يشاء وحيثما يشاء. ساقَها عبر الطريق المجانبة للمحيط، ثم عرج على اليمين مرة ومرة وعلى اليسار مرات حتى استوت الطريق التي تتسامق على جانبيها أشجار الأوكاليبتوس. هنا شعرت بالراحة والأمان، لم تعد تطاردني تلك الأصوات الهستيرية الصاخبة ما عدا صوت أبي وأمي الذي كان يتناهى إلى سمعي. سمعتهما يتجادبان أطراف الحديث وفهمت ما أرادوا إخفاءه عليَّ: خالي "مبارك" أصيب بمس من الجنون في عقله، أكل سما ما أو جعلوه يأكل هذا السم (التوكال)، لم يجدوا له علاجا في مدينة "بن سليمان" حيث يقيم جوار خالين لي آخريْن، لذلك جاؤوا به إلى مستشفى "العنق" بالدار البيضاء. تلك البناية إذاً وذلك المكان المرتفع أمام البحر كان مستشفى! وتلك الزجاجة الصغيرة! آه، لا يجب أن تفلت مني، أخذت أضغط عليها بيدي داخال جيبي حتى لا تتبدد. لم تكن الدار البيضاء في قبضتي الصغيرة. تركتُها هناك. وهي؟ لماذا تركتْني أرحل بدونها؟ لماذا لم تشدني إليها؟

أخرجتُ يدي من جيبي وإذا بالزجاجة تسقط أرضاً عن غير إرادة مني. تبعتها وقد كادت تقارب في تدحرُجها قدم والدي. عدت فوق ركبَتَيْ أمي ممسكا بها بكل قوة وحيطة. صرخ هو:

ـ ما هذا؟

ونتش الزجاجة من يدي ثم أخذ يتأملها دون أن تغادر يده اليسرى عجلة القيادة. صرخ مزيدا:

ـ أين وجدت هذا الشيء؟ إنه دواءٌ خاص بالحقن!

تلعتمت و... ولحسن الحظ أنني لم أكن أمام عينيه اللتين كانتا تراقبان الطريق أكثر مما كانتا تنغرزان فيَّ.

ـ وجدتُها.

ـ أين وجدتَها؟

ـ...........

ـ دَاكُورْ آ ولد الحرام... فهمت. إذاً خرجتَ من السيارة!... سوف ترى حينما نصل إلى الضيعة. والله الليلة سأسلخ والديك!

رمى بالزجاجة عبر نافذته على اليسار وكف عن الكلام.

تكمشتُ كقنفد في مكاني دون أن أكف عن النظر إلى الطريق حيث كانت الأشجار تهرب نحو الخلف. ما أن وصلنا إلى الضيعة حتى هرعت إلى أحضان "أمي حنّة" "الحدّاوية" (أمي الأخرى بالتبني) في الجناح الآخر من دارنا الفسيحة وأنا أصرخ: "ناري ناري يا أمي غادي يسلخني!".

ـ من؟

ـ خويا... ولدك...

دستني في صدرها، بين ثدييها الأسمرين، بحنان كما العادة وهي تقول:

ـ وا... إذا كان رجل يجي.... هاي هاي هاي على وليدي! يضربوه ليَ؟ ههههههه... ارتح آلمصيطيفى... ارتح....

ارتحت وأنا أدس رأسي في صدرها. كنت أعرف أنها درعي المتين الواقي وملجئي الآمن في أوقات الشدة وغير الشدة.

لم يسلخني أبي تلك الليلة. سلخني الألم لفقدان الزجاجة، وسلخني الألم لأنني لم "أحْتِ" على الدار البيضاء معي في قبضتي. باتت معي تلك الليلة في أحضان "أمي حنّة". كنا كعشيقين هاربين من بطش أعداء مجهولين.

في صباح الغد كان لدي إحساس بالحقد تجاه "المدينة". أخذت أتساءل لماذا لا تحبني؟ لماذا تتركني أمضي؟ لماذا تسكنني ولا تدعوني لكي أستوطنها؟ لماذا تنفيني بينما أنا أُبايعها؟ لماذا تُحاكي "بلهدهود" الفخور المغرور بنفسه الذي قرر ألا يسقط أبدا في فخي (مهما وضعتُ له من ثمار: ها الدود بأنواعه، ها حبوب الدرة والقمح والشعير، ها قطع الخبز... والو... والله ما عمره نقب!) فيئست منه ولن يتسنى لي تبعا لذلك مداعبته ومساءلته عن ماهيته وعن قصته وحكاياه؟

اسمعي أيتها الدار البيضاء! يئست من هذا المخلوق الذي يطير، هذا صحيح، ولكنك لا تطيرين. أنت هنا في داخلي. قفصي الصدري هو قفصك. صدقيني، لن تغادريه أبدا.

أحبك يا الكافرة بالله ولن أدعك تفلتين مني ولو قيد أنملة، فكفاك صدا ومعاندة.

صدقيني: والله إمّا بي... أو بِك!

هاااااااا خَطّ يدي!

ولسوف نرى.

**

Patrie

0 التعليقات


23 AOÛT 2010

Patrie

*
Tu demeures donc ma patrie
Même s’ils annihilèrent la patrie en toi

Lance tes youyous car il n’est que le temps d’un cillement et les détails du premier exode me quittent. Et puis à travers mes prairies intestines, tantôt tu t’éclipseras, tantôt je boirai, en ton absence, les chagrins de mon second exil après le millième hégire. Je brandirai toute ma figure alors face à ce Rhône, pour que nous vivions, toi, Sabou et moi. Tu n’as donc qu’à pousser tes youyous…
Chante, Dame des mondes, car je te proclame ma patrie
Sur mon visage la sphère se roule, erre
Chaussant le vent
Je poursuis ce que j’appelai : Rêve
N’est-ce pas toi le Rêve ?

Quand je tente de le saisir, il se faufile, me fuyant
Voici que la patrie désirée, ma mie, se mue en ombre !

Je fonce alors dans l’errance comme tu fonces dans l’absence
Et l’enfant en moi se réveille et te hèle :
" Tarde donc un instant ! Patience !"
Tu ne tardes point, hélas !
« Du calme, dis-je alors à mon enfant, devant la porte de la patience il n’y a pas de ruée »
« Sors de moi, vieillard, répond-il. Prends ton corps arqué. Moi je ne me plierai guère. Sache que ton Moi est un gouffre qui m’étouffe. »

Quand le vieillard se mit hors de moi
L’enfant s’écria :
« Amers sont tes yeux, ami »
« Persévérons donc ! » répondis-je
*

Amour de la Langue

0 التعليقات


28 MAI 2011

Amour de la Langue



J’implore ton pardon
Ô langue effarouchée !
Ce sont là mes souffles mixtes
Que j’éparpille entre tes seins
Rien de plus
Rien

A l’ère où ton être n’était point être
Une nuée enfanta une lune
Et une étoile

La lune devint déesse
Tu fus l’étoile
Et moi la nuit
Toute la nuit
Tous les ennuis


*

Errance... Encore... Toujours...

0 التعليقات


18 AVR. 2012

Errance... Encore... Toujours...

*










Les questionnements me ceignent


Alourdi d’espoir, cœur languissant, je m’en vais sur ta trace, transperçant les ténèbres, franchissant les remparts, traversant les tropiques de l’errance, de la boue, de la nausée.
Dis-moi donc :


Où as-tu déposé bagages ?


Où les bagages t’ont-ils déposée ?


Tu es à moi seul
Et à mes profondes strates ta cendre
A moi sont les instants que tu combles lorsque me surprend ta venue
Entre moi et celui que j’étais
Entre toi et moi

Tu te frayes un passage quand dans ma tête les gongs cessent de tonner

Dans mon intérieur tu célèbres solennellement le plus interdit de tes rites

Quelques semis de rêves se mettent à danser

Et le souvenir du premier exil dégringole.


*

الدرس اللغوي:الكتابة العروضية و التفاعي

0 التعليقات


cours d'arabe دروس العربية
الدرس اللغوي:الكتابة العروضية و التفاعي
تختلف الكتابة العروضية عن الكتابة الإملائية بما يلي
- إثبات الحرف المنطوق ( مثال هذه تكتب عروضييا هاذه)
- إغفال الحروف غير المنطوقة ( مثال آلاف العيون تكتب عروضيا آلاف العيون)
- فك الإدغام ( مثال قرة تكتب عروضيا قررة)
- حذف همزة الوصل إذا لم تأتي في بدء الكلام وتكون في الأسماء العشرة
- يعتمد الترميز العروض على الحركات فنرمز للحركة بعلامة (ا) سوءا كانت ضمة أو فتحة أو كسرة ونرمز للسكون بعلامة (0)
- يتكون البيت الشعري من أسباب وأوتاد وفواصل وهي التي تشكل التفعيلات
- عدد التفعيلات ثمانية منها إثنان خماسيتان وهما فاعلن وفعولن وستة سباعية وهي مستفعلن- مفعولات- مفاعيلن- مفاعلتن- متفاعلن- فاعلاتن
مثال
قال الشاعر محمد الحلوي
أهل وآلاف العيون دوامع ولاح وفي كل القلوب فواجع
أهلل وآلاف لعيون دوامعو ولاح وفي كلل لقلوب فواجعو

الدرس اللغوي:أسماء الآلة والزمان والمكان

0 التعليقات


cours d'arabe دروس العربية
الدرس اللغوي:أسماء الآلة والزمان والمكانجدع مشترك
           إسم الآلة:
             - يصاغ اسم الآلة للدلالة على ألأداة التي يقع بها الفعل ويؤخذ غالبا من الفعل الثلاثي المتعدي وتأتي أوزانه على     ثلاث أوزان وهي: مفعال ومفعل ومفعلة
            أمثلة:
- إسم الآلة لفعل نجر هي منجرة ( فعل ثلاثي على وزن مفعلة)
- اسم الآلة لفعل قص هي مقص ( فعل ثلاثي على وزن مفعل)
- اسم الآلة لفعل حرث هي محراث ( فعل ثلاثي على وزن مفعال)
اسما الزمان والمكان:
- يدل اسم الزمان على زمان الفعل ويدل اسم المكان على مكان وقوع الفعل.
- يأتي اسم الزمان والمكان على وزن مفعل إذا كان مضارعهما مفتوح العين أو مضمومها أو فعلا ناقصا ويأتي على وزن مفعل إذا كان مضارعهما مكسور العين وفعلهما صحيح أو إذا كان فعلهما مثالا صحيح الآخر.
- يصاغ اسما الزمان والمكان على وزن اسم المفعول إذا كان فعلهما غير ثلاثي.
أمثلة:
- اسم مكان لفعل وطن هو موطن ( على وزن مفعل)
- اسم مكان لفعل هجر هو مهجر ( على وزن مفعل)
- اسم مكان لفعل طلع هو مطلع ( على وزن مفعل)
- اسم زمان لفعل ولد هو مولد ( على وزن مفعل)

Like Us

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *